دول الخليج إتحاد أم خوف العروش.
د.نسيب حطيط
دعت المملكة السعودية شركائها في مجلس التعاون الخليجي لإقرار صيغة سياسية متطورة بعنوان الإتحاد الخليجي بديلا عن(التعاون)الخليجي بهدف حماية أمن الدول الخليجية مقابل التهديد الإيراني لكن الأسباب الحقيقية لهذا المشروع تتضمن الأهداف التالية:.
- الخوف من تخلي أميركا عن الملوك والأمراء كما تخلت عن مبارك وبن علي والقذافي لحماية مصالحها.
- تغطية التدخل السعودي في البحرين والكويت ضد الحراك الشعبي ومحاصرة أي حركة شعبية في دول الخليج خاصة في السعودية.
- تحقيق حلم العائلة المالكة في السعودية لتتحول إلى دولة إقليمية عظمى تتحكم بالنفط والغاز العالمي، خاصة وأنها على مشاكل حدودية ونزاع حول الأراضي مع الأردن واليمن والكويت وقطر...
إن الطرح السعودي الإنفعالي والمتسرع بإعلان الإتحاد بعد ثلاثين عاما من إقامة مجلس التعاون الخليجي الذي يفتقد الإنجازات المؤثرة والغير أساسية فلم يستطع هذا المجلس إقرار العملة الموحدة ولا النظام الجمركي الواحد أو الخطوط الحديدية ولا البرلمان الموحد ولم ينتج سوى قوات درع الجزيرة وبعض الخطوات الإقتصادية الخجولة، مما يوحي أن الخوف والقلق السعودي وصلا الى الخط الأحمر من فقدان الأمان السياسي نتيجة أحداث البحرين المستمرة منذ أكثر من 17 شهرا وأحداث المنطقة الشرقية في السعودية وأحداث اليمن وإنهزام المشروع السعودي في العراق وفشل المشروع السعودي والقطري والتركي في سوريا وخروج الحريري وتيار المستقبل من السلطة في لبنان، والضربة التي تلقتها السعودية في مصر وعدم حصادها لثورات تونس وليبيا .
إن العائلة المالكة تعيش إرهاصات الخوف والقلق من المستقبل في ظل حالة الإنقسام التي عاشتها بعد تعيين ولي العهد والوقائع الحالية غير المطمئنة بسبب الوضع الصحي لولي العهد والملك والذي يولد إنطباعا لدى الجمهور السعودي والمعارضة والحلفاء أن شيئا سيزعزع الإستقرار على مستوى قمة الهرم الحاكم، يترافق مع الحراك الشعبي الذي يهدد السلطتين السياسية والدينية.
إن بيان أيمن الظواهري بما يمثل من أمر عمليات أميركي من وراء الكواليس والذي دعا إلى التمرد على العائلة السعودية ووصفها بأنها أفسد نظام على وجه الأرض يعطي الإشارة بأن الأميركيين قد بدأوا إدارة الظهر للسعوديين وبدأوا بالتفتيش عن مصالحهم مع الأقوياء في المنطقة بالتعاون مع الروس وهذا ما تحمله الأنباء عن المفاوضات النووية الإيرانية في بغداد.
والسؤال الذي يطرحه البعض لماذا يقف البعض ضد إتحاد دول الخليج، بينما كان الجميع ينادي بوحدة الأمة الإسلامية والبعض ينادي بوحدة الأمة العربية، وإذا كان البعض ضد المشروع الأميركي الهادف للتقسيم والتجزئة للمنطقة، فعليه أن يفرح بأن دول الخليج تسعى للوحدة والإندماج، وهذا من حيث الظاهر مستحب ومطلوب على طريق وحدة الأمة، لكن العاقل والواعي لا يرى في هذا الإتحاد خيرا للأمة، لأنه سيولد في عملية قيصرية إنفعالية لا تهدف لتقوية الأمة بل لضرب شعوبها ومواجهة الصديق الممثل بإيران بدل مواجهة العدو الإسرائيلي وتغيير بوصلة العداء والتحالفات وحماية مقدرات الأمة وثرواتها وأراضيها من السيطرة الأميركية فالقوات الأميركية(تحتل )دول الخليج بإسم معاهدات الدفاع المشترك غير الواقعية وغير المتوازنة وتصادر إيرادات النفط المالية إما مباشرة أو عبر الصفقات الوهمية للسلاح.
والسؤال الأكثر إلحاحا ولا يمكن الإجابة عنه.... كيف يمكن قيام إتحاد بين أنظمة سياسية مختلفة بين الكويت وبرلمانها المتحرك وحكومتها الديمقراطية وبين أنظمة السعودية وقطر والبحرين؟
كيف يمكن الإنسجام بين حرية الرأي والثقافة في الكويت وغيرها وبين السعودية وقطر... كيف يمكن دمج المرأة السعودية الممنوعة من قيادة السيارة مع الشواطئ المفتوحة في دبي والبحرين ...كيف يمكن التوأمة بين تشريعات وقوانين دينية تمنع الكحول في السعودية وتشرعها في البحرين والإمارات وغيرها... كيف سينسجم النقاب الأسود مع اللباس المتحرر في باقي دول الخليج... كيف يكون قبول الرأي الأخر على مستوى العقيدة والفكر في ظل حالة التكفير التي ينتهجها بعض رجال الدين السعوديين مقابل القرضاوي في قطر؟
إتحاد الخليج سيكون غلافا سعوديا لمتناقضات سياسية وإجتماعية وثقافية ومذهبية وحتى إقتصادية تتعارك فيما بينها و تفجر نفسها من الداخل على المستوى السلوكي والميداني.
الإتحاد ليس قرارا ملكيا أو سطويا ،فله مقدماته وتوفير مقومات إستمراره لكي يستمر فالولايات المتحدة الأميركية أسست نظاما لولاياتها والإتحاد الأوروبي لا زال يعمل ويبقى على شفير الإنهيار مع كل القواسم المشتركة بين الشعوب الأوروبية والخطوات العملية التي انجزتها الحكومات.
الإتحاد الخليجي سيموت قبل ان يولد ، وإن ولد رغما عن شعوبه سيكون مخلوقا مشوها ومعاقا تنبذه شعوبه وحكامه، وسيخضع للوصاية الأميركية لرعايته وسلبه لقراره بحجة عدم الأهلية .
من يرى أن الإتحاد سينقذه من التغيير أو إحقاق العدالة وتكافؤ الفرص لمواطنيه وعدم التعامل معهم كراعايا وعبيد وإماء، فهو موهوم وخاطئ وقليل الخبرة وقصير النظر ..إن الصبح لقريب